فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} نهى عن السخرية وهي الاستهزاء بالناس {عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ} أي لعل المسخور منه خير من الساخر عند الله، وهذا تعليل للنهي {وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ} لما كان القوم لا يقع إلا على الذكور عطف النساء عليهم {وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ} أي لا يطعن بعضكم على بعض واللمز: العيب، سواء كان بقول أو إشارة أو غير ذلك، وسنذكر الفرق بينه وبين الهمز في سورة الهمزة {أَنفُسَكُمْ} هنا بمنزلة قوله: {فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} [النور: 61] {وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب} أي لا يدعُ أحد أحدًا بلقب، والتنابز بالألقاب التداعي بها، وقد أجاز المحدثون أن يقال الأعمش والأعرج ونحوه إذا دعت إليه الضرورة ولم يقصد النقص والاستخفاف.
{بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان} يريد بالاسم أن يسمى الإنسان فاسقًا بعد أن سمي مؤمنًا، وفي ذلك ثلاثة أوجه: أحدها استقباح الجمع بين الفسق وبين الإيمان، فمعنى ذلك أن من فعل شيئًا من هذه الأشياء التي نهى عنها فهو فاسق وإن كان مؤمنًا، والآخر بئس ما يقوله الرجل للآخر يا فاسق بعد إيمانه، كقولهم لمن أسلم من اليهود: يا يهودي، الثالث أن يُعجل من فَسَقَ غير مؤمن وهذا على مذهب المعتزلة.
{اجتنبوا كَثِيرًا مِّنَ الظن} يعني ظن السوء بالمسلمين، وأما ظن الخير فهو حسن {إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ} قيل: في معنى الإثم هنا الكذب لقوله صلى الله عليه وسلم: «الظن أكذب الحديث» لأنه قد لا يكون مطابقًا للأمر، وقيل: إنما يكون إثمًا إذا تكلم به وأما إذا لم تكلم به فهو في فسحة لأنه لا يقدر على دفع الخواطر، واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة سد الذرائع في الشرع، لأنه أمر باجتناب كثير من الظن، وأخبر أن بعضه إثم باجتناب الأكثر من الإثم احترازًا من الوقوع في البعض الذي هو إثم {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} أي لا تبحثوا عن مخبآت الناس وقرأ الحسن: {تحسسوا} بالحاء والتجسس بالجيم في الشر وبالحاء في الخير، وقيل: التجسس ما كان من وراء والتحسس بالحاء الدخول والاستعلام {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} المعنى: لا يذكر أحدكم من أخيه المسلم ما يكره لو سمعه، والغية هي ما يكره الإنسان ذكره من خُلُقه أو خَلْقه أو دينه أو أفعاله أو غير ذلك، وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: «الغيبة أن تذكر أخاك المؤمن بما يكره، قيل يا رسول الله وإن كان حقًا، قال إذا قلت باطلًا فذلك بهتان» وقد رُخص في الغيبة في مواضع منها: في التجريح في الشهادة، والرواية، والنكاح، وشبهه وفي التحذير من أهل الضلال، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} وقرأ نافع: {مَيْتًا} شبه الله الغيبة بأكل لحم ابن آدم ميتًا، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم، ثم زاد في تقبيحه أن جعله ميتًا لأن الجيفة مستقذرة، ويجوز أن يكون {ميتًا} حال من الأخ أو من لحمه، وقيل: فكرهتموه إخبار عن حالهم بعد التقرير. كأنه لما قررهم قال: هل يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا أجابوا فقالوا: لا نحب ذلك فقال لهم. فكرهتموه وبعد هذا محذوف تقديره: فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي تشبهه، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه، وعلى هذا المحذوف يعطف قوله: {واتقوا الله}، قال أبو علي الفارسي، وقال الرماني: كراهة هذا اللحم يدعو إليها الطبع، وكراهة الغيبة يدعو إليها العقل، وهو أحق أن يجاب لأنه بصير عالم، والطبع أعمى جاهل، وقال الزمخشري: في هذه الآية مبالغات كثيرة منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولًا بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم، والإشعار بأن أحد من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله ميتًا، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الغيبة بأكل لحم الإنسان حتى جعله أخًا له.
{يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} الذكر والأنثى هنا آدم وزوجه قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد الجنس كأنه قال: إنا خلقنا كل واحد منكم من ذكر وأنثى، والأول أظهر وأصلح لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم من آدم وآدم من التراب» ومقصود الآية: التسوية بين الناس، والمنع مما كانت العرب تفعله من التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، فبين الله أن الكرم والشرف عند الله ليس بالحسب والنسب؛ إنما هو بالتقوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله وروي أن سبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا كيف نزوج بناتنا لموالينا {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لتعارفوا} الشعوب: جمع شعب بفتح الشين، وهو أعظم من القبيلة، وتحته القبيلة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة، وهم القرابة الأدنون فمضر وربيعة وأمثالها شعوبًا، وقريش قبيلة، وبني عبد مناف بطن، وبنو هاشم فخذ، ويقال بإسكان الخاء فرقًا بينه وبين الجارحة، وبنو عبد المطلب فصيلة. وقيل: الشعوب في العجم والقبائل في العرب والأسباط في بني إسرائيل، ومعنى لتعارفوا ليعرف بعضكم بعضًا.
{قالتِ الأعراب آمَنَّا} نزلت في بني أسد بن خزيمة، وهي قبيلة كانت تجاور المدينة أظهروا الإسلام، وكانوا إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا، فأكذبهم الله في قولهم آمنا وصدقهم لو قالوا أسلمنا، وهذا على أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإسلام هو الانقياد بالنطق بالشهادتين، والعمل بالجوارح فالإسلام والإيمان في هذا الموضع متباينان في المعنى، وقد يكونان متفقان، وقد يكون الإسلام أعم من الإيمان فيدخل فيه الإيمان حسبما ورد في مواضع أخر {وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} معنى لا يلتكم لا ينقصكم شيئًا من أجور أعمالكم، وفيه لغتان يقال لات وعليه قارءة نافع {لاَ يَلِتْكُمْ} بغير همز، ويقال: ألت وعليه قراءة أبو عمر {لا يألتكم} بهمزة قبل اللام، فإن قيل: كيف يعطيهم أجور أعمالهم وقد قال: إنهم لم يؤمنوا ولا يقبل إلا من مؤمن؟ فالجواب: أن طاعة الله ورسوله تجمع صدق الإيمان وصلاح الأعمال، فالمعنى إن رجعتم عما أنتم عليه من الإيمان بألسنتكم دون قلوبكم، وعملتم أعملًا صالحة فإن الله لا ينقصكم منها شيئًا.
{ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} أي لم يشكوا في إيمانهم وفي ذلك تعريض بالأعراب المذكورين، بأنهم في شك وكذلك قوله في هؤلاء: {أولئك هُمُ الصادقون} تعريض أيضًا بالأعراب إذا كذبوا في قولهم آمنًا. وإنما عطف {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} بثم إشعارًا بثبوت إيمانهم في الأزمنة المتراخية المتطاولة {وَجَاهَدُواْ} يريد جهاد الكفار، لأنه دليل على صحة الإيمان ويبعد أن يريد جهاد النفس والشيطان لقوله: {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله}.
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} نزلت في بني أسد أيضًا فإنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا آمنا بك واتبعناك ولم نحاربك كما فعلت هوازن وغطفان وغيرهم {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ} أي هداكم للإيمان على زعمكم، ولذلك قال: {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، و{يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} يحتمل أن يكون بمعنى ينعم عليكم أو بمعنى: يذكر إنعامه، وهذا أحسن لأنه في مقابلة بمنون عليك. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الحجرات مدنية وآيها ثماني عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ} أي لا تقدموا أمرًا، فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كل ما يمكن، أو ترك لأن المقصود نفي التقديم رأسًا أو لا تتقدموا ومنه مقدمة الجيش لمتقدميهم، ويؤيده قراءة يعقوب {لاَ تُقَدّمُواْ}. وقرئ {لاَ تُقَدّمُواْ} من القدوم.
{بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان تهجينًا لما نهوا عنه، والمعنى لا تقطعوا أمرًا قبل أن يحكما به. وقيل المراد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله.
{واتقوا الله} في التقديم أو مخالفة الحكم.
{إِنَّ الله سَمِيعٌ} لأقوالكم.
{عَلِيمٌ} بأفعالكم.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبى} أي إذا كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته.
{وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته محاماة على الترحيب ومراعاة للأدب. وقيل معناه ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضًا وخاطبوه بالنبي والرسول، وتكرير النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة في الاتعاظ والدلالة على استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به.
{أَن تَحْبَطَ أعمالكم} كراهة أن تحبط فيكون علة للنهي، أو لأن تحبط على أن النهي عن الفعل المعلل باعتبار التأدية لأن في الجهر والرفع استخفافًا قد يؤدي إلى الكفر المحبط، وذلك إذا انضم إليه قصد الإِهانة وعدم المبالاة. وقد روي: أن ثابت بن قيس كان في أذنه وقر وكان جهوريًا، فلما نزلت تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفقده ودعاه فقال: يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال عليه الصلاة والسلام: «لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة» {وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أنها محبطة.
{إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم} يخفضونها.
{عِندَ رَسُولِ الله} مراعاة للأدب أو مخافة عن مخالفة النهي. قيل كان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسرانه حتى يستفهمهما.
{أُوْلَئِكَ الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} جربها للتقوى ومرنها عليها، أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها، فإن الامتحان سبب المعرفة واللام صلة محذوف أو للفعل باعتبار الأصل، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى، فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها، أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه.
{لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم.
{وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} لغضهم وسائر طاعاتهم، والتنكير للتعظيم والجملة خبر ثان لأن أو استئناف لبيان ما هو جزاء الغاضين إحمادًا لحالهم كما أخبر عنهم بجملة مؤلفة من معرفتين، والمبتدأ إسم الإِشارة المتضمن لما جعل عنوانًا لهم، والخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة في الاعتداد بغضهم والارتضاء له، وتعريضًا بشناعة الرفع والجهر وأن حال المرتكب لهما على خلاف ذلك.
{إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الحجرات} من خارجها خلفها أو قدامها، ومن ابتدائية فإن المناداة نشأت من جهة الوراء، وفائدتها الدلالة على أن المنادي داخل الحجرة إذ لا بد وأن يختلف المبتدأ والمنتهى بالجهة، وقرئ {الحجرات} بفتح الجيم، وسكونها وثلاثتها جمع حجرة وهي القطعة من الأرض المحجورة بحائط، ولذلك يقال لحظيرة الإِبل حجرة. وهي فعلة بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة، والمراد حجرات نساء النبي عليه الصلاة والسلام وفيها كناية عن خلوته بالنساء ومناداتهم من ورائها إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من روائها، أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له، فأسند فعل الأبعاض إلى الكل. وقيل إن الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلًا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد اخرج إلينا، وإنما أسند إلى جميعهم لأنهم رضوا بذلك أو أمروا به، أو لأنه وجد فيما بينهم.
{أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة سيما لمن كان بهذا المنصب.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} أي ولو ثبت صبرهم وانتظارهم حتى تخرج إليهم، فإن أن وإن دلت بما في حيزها على المصدر دلت بنفسها على الثبوت، ولذلك وجب إضمار الفعل وحتى تفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مغنيًا بخروجه، فإن حتى مختصة بغاية الشيء في نفسه ولذلك تقول: أكلت السمكة حتى رأسها، ولا تقول حتى نصفها، بخلاف إلى فإنها عامة، وفي {إِلَيْهِمُ} إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم.
{لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} لكان الصبر خيرًا لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب، والإِسعاف بالمسؤول إذ روي أنهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر فأطلق النصف وفادى النصف.
{والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} حيث اقتصر على النصح والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب التاركين تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ} فتعرفوا وتصفحوا، روي أنه عليه الصلاة والسلام بعث الوليد بن عقبة مصدقًا إلى بني المصطلق وكان بينه وبينهم إحنة، فلما سمعوا به استقبلوه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فهم بقتالهم فنزلت. وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع، وتنكير الفاسق والنبأ للتعميم، وتعليق الأمر بالتبين على فسق المخبر يقتضي جواز قبول خبر العدل من حيث إن المعلق على شيء بكلمة إن عدم عند عدمه، وأن خبر الواحد لو وجب تبينه من حيث هو كذلك لما رتب على الفسق، إذ الترتيب يفيد التعليل وما بالذات لا يعلل بالغير.
وقرأ حمزة والكسائي {فتثبتوا} أي فتوقفوا إلى أن يتبين لكم الحال.
{أَنْ تُصِيبُوا} كراهة إصابتكم.
{قَوْمًَا بِجَهَالَةٍ} جاهلين بحالهم.
{فَتُصْبِحُواْ} فتصيروا.
{على مَا فَعَلْتُمْ نادمين} مغتمين غما لازمًا متمنين أنه لم يقع، وتركيب هذه الأحرف الثلاثة دائر مع الدوام.
{واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} أن بما في حيزه ساد مسد مفعولي اعلموا باعتبار ما قيد به من الحال وهو قوله: {لَوْ يُطِيعُكُمْ في كَثِيرٍ مّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ} فإنه حال من أحد ضميري فيكم، ولو جعل استئنافًا لم يظهر للأمر فائدة. والمعنى أن فيكم رسول الله على حال يجب تغييرها وهي أنكم تريدون أن يتبع رأيكم في الحوادث، ولو فعل ذلك {لَعَنِتُّمْ} أي لوقعتم في الجهد من العنت، وفيه إشعار بأن بعضهم أشار إليه بالإِيقاع ببني المصطلق وقوله: {ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان} استدراك ببيان عذرهم، وهو أنه من فرط حبهم للإِيمان وكراهتهم للكفر حملهم على ذلك لما سمعوا قول الوليد، أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إحمادًا لفعلهم وتعريضًا بذم من فعل ويؤيده قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الرشدون} أي أولئك المستثنون هم الذين أصابوا الطريق السوي، {وَكَرَّهَ} يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فإذا شدد زاد له آخر، لكنه لما تضمن معنى التبعيض نزل كره منزلة بغض فعدي إلى آخر بإلى، أو نزل إليكم منزلة مفعول آخر. و{الكفر}: تغطية نعم الله بالجحود.
{والفسوق}: الخروج عن القصد {والعصيان}: الامتناع عن الانقياد.
{فَضْلًا مّنَ الله وَنِعْمَةً} تعليل ل {كَرِهَ} أو {حَبَّبَ}، وما بينهما اعتراض لا ل {الرشدون} فإن الفضل فعل الله، والرشد وإن كان مسببًا عن فعله مسند إلى ضميرهم أو مصدر لغير فعله فإن التحبيب والرشد فضل من الله وإنعام.
{والله عَلِيمٌ} بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل {حَكِيمٌ} حيث يفضل وينعم بالتوفيق عليهم.
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع.
{فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى.
{فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى} تعدت عليها.